الثقة بالنفس
(عندما كان عمره شهرين وقع الفيل الأبيض الصغير في فخ الصيادين في إفريقيا، وبيع في الأسواق لرجل ثري يملك حديقة حيوانات متكاملة، بدأ المالك على الفور في إرسال الفيل إلى بيته الجديد في حديقة الحيوان، وأطلق عليه اسم نيلسون.
وعندما وصل المالك مع نيلسون إلى المكان الجديد، قام عمال هذا الرجل الثري بربط أحد أرجل نيلسون بسلسلة حديدية قوية، وفي نهاية هذه السلسلة وضعوا كرة كبيرة مصنوعة من الحديد الصلب، ووضعوا نيلسون في مكان بعيد في الحديقة.
شعر نيلسون بالغضب الشديد من جراء هذه المعاملة القاسية، وعزم على تحرير نفسه من هذا الأسر، ولكنه كلما حاول أن يتحرك ويشد السلسلة الحديدية أحس بألم شديد، فما كان منه بعد عدة محاولات إلا أن تعب ونام.
وفي اليوم التالي استيقظ الفيل نيلسون وكرر ما فعله بالأمس، محاولًا تخليص نفسه، ولكن دون جدوى، وهكذا حتى يتعب ويتألم وينام، ومع كثرة محاولاته وكثرة آلامه وفشله قرر نيلسون أن يتقبل الواقع الجديد، ولم يعد يحاول تخليص نفسه مرة أخرى، وبذلك استطاع المالك الثري أن يبرمج الفيل نيلسون تمامًا كما يريد.
وفي إحدى الليالي عندما كان نيلسون نائمًا ذهب المالك مع عماله، وقاموا بتغيير الكرة الحديدية الكبيرة بكرة صغيرة مصنوعة من الخشب، وكان من الممكن أن تكون فرصة نيلسون لتخليص نفسه، ولكن الذي حدث هو العكس تمامًا، فقد بُرْمِج الفيل على أن محاولاته ستبوء بالفشل، وستسبب له الآلام والجراح.
كان مالك حديقة الحيوانات يعلم تمامًا أن نيلسون قوي للغاية، ولكنه يعرف أيضًا أنه قد بُرْمِج على تقبل واقعه الجديد وعلى أنه غير قادر على تغييره، بعد أن فقد إيمانه بقدرته وإمكاناته.
وفي يوم زار الحديقة فتى صغير مع والدته، وسأل المالك: هل يمكنك يا سيدي أن تشرح لي كيف أن هذا الفيل القوي لا يحاول سحب الكرة الخشبية وتخليص نفسه من الأسر؟ فرد الرجل: بالطبع أنت تعلم يا بني أن الفيل نيلسون قوي جدًّا، ويستطيع تخليص نفسه في أي وقت، وأنا أيضًا أعرف هذا، ولكن الأهم هو أن الفيل لا يعلم ذلك، ولا يعلم مدى قدراته وإمكاناته) [قوة التحكم في الذات، د.إبراهيم الفقي، ص(11-12)].
هكذا تربى الشباب:
وبالمثل تبرمج الكثير من شبابنا على هذا المفهوم السلبي عن الذات، ففقد تقديره لها، وثقته فيها، فكان ذلك من أكبر عوامل فشله في هذه الحياة؛ لأن الذي يعتقد في نفسه العجز، فسيتصـرف في حياته على أنه عاجز، وبالتالي لن يجني إلا الفشل، تمامًا كذلك الفيل الذي يستطيع بكل سهولة أن يخلص نفسه من القيد، ولكن المشكلة أنه يعتقد في نفسه العجز عن ذلك.
ويجمع الباحثون على أن الثقة بالنفس والمفهوم الإيجابي للإنسان عن ذاته هو شرط أساسي في تحقيق النجاح الكامل، ومع ذلك فإن الدراسات تشير إلى أن 95% من الناس لديهم مفاهيم سلبية عن ذواتهم، فلا يحترمونها ولا يثقون فيها والسبب في ذلك طبعًا هو تلك البرمجة السلبية من البيئة المحيطة بالإنسان منذ الصغر، ممثلة في تربية الوالدين أو المدرسة أو الأصدقاء أو وسائل الإعلام.
يقول د.تشاد هيلستر: (إنه في خلال ال18 سنة الأولى من عمرنا وعلى افتراض نشأتك وسط عائلة إيجابية إلى حد معقول، فإنك قد قيل لك أكثر من 148000 مرة (لا) أو (لا تعمل ذلك)، بينما في نفس الفترة تكون عدد الرسائل الإيجابية التي وصلتك لا تتجاوز 400 مرة) [قوة التحكم في الذات، د.إبراهيم الفقي، ص(23)].
أين نحن من هؤلاء؟
فقد ينظر الشاب إلى سير العظماء من العلماء والقادة والمجاهدين نظرة انبهار، ثم ينظر إلى واقعهفإذا هو لا شيء بالنسبة إلى هؤلاء فيصيبه ذلك بنوع من الإحباط وفقدان الثقة بالنفس، وطبيعي أن يعجب الشاب وأن ينبهر بأمثال هؤلاء العظماء، ولكنه الانبهار الإيجابي الذي يولد دافعية وحماسًا إلى الارتقاء إلى منازلهم، والسير على دربهم.
فالله تعالى خلقنا وكرمنا، وأسجد لأبينا ملائكته، فكيف لا يكون لنا قيمة؟ والنبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: (خير أمتي القرن الذين يلوني) [رواه مسلم]، قال أيضًا: (مثل أمتي كمثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره)[حسنه الألباني]، وذلك لكي لا يصاب المسلم بالإحباط واليأس من الارتقاء إلى تلك المنازل العالية.
شتان ما بينهما:
فقد يخلط البعض بين الثقة بالنفس وبين الغرور أو يخلط بين التواضع المحمود وبين ضعف الثقة بالنفس؛ فتقدير الذات أو الثقة بالنفس يعني أن يثق الإنسان بأن الله تعالى كرمه وأنعم عليه بنعم عظيمة، وقدرات هائلة، فهو إدراك عقلي ويقين قلبي أن الله وهب للإنسان مواهب وإمكانات، وهو أمر مطلوب، وينبغي أن يتربى عليه الإنسان، إذ لو أنه يجهل نعم الله عليه من المواهب والإمكانات لما أمكنه استغلالها في تحقيق عبودية الله تعالى في الأرض، والتي من أبرز مظاهرها خلافة الله تعالى في الأرض والسعي لعمارتها، وصناعة حضارتها وتقدمها كما سبق وأن قررن
ولذلك نجد النبي صلى الله عليه وسلم يُعرِّف أصحابه رضي الله عنهم قدر أنفسهم، فيسمي هذا بالفاروق، وآخر بالصديق، والثالث أمين هذه الأمة، والرابع بأسد الله وأسد رسوله، والخامس بسيف الله المسلول، وغير ذلك الكثير من المواقف، التي كان النبي صلى الله عليه وسلميحرص من خلالها على زرع الثقة في النفوس.
كيف تكون واثقًا بنفسك؟
إن أهم سبب يجعلك واثقًا بنفسك هو أن تتقبل ذاتك أيها الشاب (فكان هارولد أبوت مدير معهدي منذ
سنوات، وذات يوم التقينا فأوصلني إلى مرزعتي، وخلال الطريق أخبرني قصة مثيرة لن أنساها أبدًا
قال: كنت دائم القلق، لكن في أحد أيام الربيع من عام 1943م، كنت أتمشى في أحد الشوارع وإذا بي أرى منظرًا أزال عني القلق، حدث ذلك خلال عشر ثوان فقط تعلمت فيها ما لم أتعلمه في السنوات العشر السابقة.
فمنذ سنتين، كنت أدير مخزن بقالة في مدينة وبي وقد خسرت جميع مدخراتي، وغرقت في ديون تحتاج إلى سبع سنوات من العمل لسدادها، وقد أقفلت مخزني وذهبت إلى بنك التجار والصناعيين؛ لاستدانة المال الكافي لانتقالي إلى مدينة كنساس للبحث عن عمل.
كنت أسير كرجل مهزوم فقد ثقته بنفسه وشجاعته، وفجأة رأيت رجلًا وقد بترت قدماه، كان يجلس على مقعد يرتكز على عجلات، ويزحف في الشارع بمساعدة قطع من الخشب أثبتها في كل يد.
التقيت به بعد أن عبر الشارع يرفع نفسه، ليصعد إلى الرصيف، وفيما هو يفعل ذلك، التقت عيناي بعينه فابتسم لي ابتسامة رائعة قائلًا: صباح الخير يا سيد إنه صباح جميل، أليس كذلك؟
وفيما أنا واقف أنظر إلىه، عرفت كم أنني غني، فأنا أملك ساقين، وأستطيع السير، شعرت بالخجل من نفسي وقلت في نفسي: إذا كان هذا الرجل الفاقد لساقيه سعيدًا واثقًا من نفسه، فكيف يجب أن أكون أنا بوجود ساقي؟
شعرت بالارتياح، وكنت قد قررت أن أستدين مبلغ مائة دولار فقط من البنك، فأصبح لدي الشجاعة الكافية لطلب مائتين، وكنت أنوي أن أقول إنني ذاهب إلى مدينة كنساس للحصول على عمل، فحصلت على المال وحصلت على العمل، ويومها ألصقت هذه الكلمات على المرآة حيث يمكنني قراءتها كل صباح:
شعرت بالكآبة لأنه لا حذاء لدي، حتى التقيت في الشارع برجل قُطِعت ساقاه)
[دع القلق وابدأ الحياة، ديل كارنيجي، ص (117-118)، بتصرف يسير واختصار].
فللأسف الشديد بعض الناس الذين لا يقبلون ذاتهم، ويحاولون أن يتظاهروا بغير شخصياتهم يعتقدون بذلك أنهم سينجحون في إقناع الآخرين بمدى الثقة بالنفس التي يتمتعون بها، والحقيقة على غير ذلك تمامًا، إن ذلك معناه إعلان عدم الثقة بالنفس من أول لحظة؛ ولذا لا تحاول أبدًا أن ترفع سعرك أو تتظاهر بغير شخصيتك.
ولذا، فمن اليوم كن نفسك ولا تكن غيرك، تعامل مع الناس بشخصيتك لا بشخصية غيرك، وانظر إلى نفسك بصورة إيجابية، انظر إلى إمكانياتها وقدراتها، انظر إلى المواقف التي نجحت فيها، واجعلها دائمًا لك لتقوى ثقتك بنفسك أكثر.
ماذا بعد الكلام؟
ـ قيِّم نفسك في خلق الثقة بالنفس النفس من خلال الاستبيان السابق ذكره، والأفضل أن يكون معك شخص
مقرَّب إلى نفسك وأنت تجيب على هذا الاستبيان، هذا الشخص يعرفك جيدًا ويعرف أخلاقك وسلوكياتك، حتى
يساعدك في التقييم الموضوعي لنفسك
ـ تقبل ذاتك وقم بتنمية قدراتك، من خلال دورات التنمية الذاتية والبشرية ،