اللهم اجعلني مع صاحب النقب
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا اله إلا الله خالصا من قلبه ) ، وقال احد العلماء : ما اخلص عبد قط أربعين يوما ، إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه ولسانه ، ويقول احدهم أيضا ناصحا لنا : اخلص النية في أعمالك يكفيك القليل من العمل ، وهكذا فان مراد الله من عمل الخلائق كلهم هو الإخلاص له سبحانه له وتعالى وحده ، فقال تعالى :( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين )
ويقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغى به وجهه ) وهذا الجنيد ( رحمه الله ) قال : إن لله عبادا عقلوا ( أى فهموا مراد الله ) فلما عقلوا عملوا اى (أطاعوا الله في الأعمال فلما عملوا اخلصوا (اى في النية ) فاستدعاهم الإخلاص إلى أبواب البر اجمع ، اى أن الإخلاص فتح لهم أبواب القبول عند الله تبارك وتعالى . وقال أيضا : إذا ابغض الله عبدا أعطاه ثلاثا ومنعه ثلاثا أعطاه صحبة الصالحين ومنعه القبول منهم ( اى لا يقبل منهم النصيحة مع انه يجالسهم ، وهذا مما نراه كثيرا فيمن يراءون بصحبة العلماء ) وأعطاه الأعمال الصالحة ومنعه الإخلاص فيها وأعطاه الحكمة ومنعه الصدق فيها ، وذلك كله بسبب سوء نيته في الأعمال .
وهذا ابن القيم (رحمه الله) يقول كلاما فيما معناه : إن العمل بغير إخلاص لله ولا إقتداء بالنبي المصطفى كالمسافر الذي يملأ حقائبه رملا وترابا فينقله من مكان إلى مكان ولا ينتفع منه ـ اى أن صاحب العمل لا يستفيد من عمله إلا التعب والمشقة بسبب عدم إخلاصه . فالإخلاص هو الماء لذلك الزرع الذي زرعته بأعمالك حيث نبت من البذر الذي هو ما تعلمته من العلم ، فالشيء الصافي هو الذي لا شائبة فيه أصلا ، وأما الشيء الخالص فقد كانت فيه الشوائب ثم زالت عنه فسمي خالصا بعد ذلك . فالإنسان المخلص هو الموحد لله عز وجل في عبادته ، ولهذا سميت كلمة التوحيد بكلمة الإخلاص ، ومنها سميت سورة ( قل هو الله احد ) بسورة الإخلاص لأنها خالصة في صفة الله تبارك وتعالى ، ولان المتلفظ بها قد اخلص في توحيده لله عز وجل والإخلاص في الطاعة هو ترك الرياء فيها ، كما هو في سورة الإخلاص الأخرى (قل يا أيها الكافرون ) لأنها متضمنة لتوحيد الأعمال والعبودية لله فقط مما يسمى بالتوحيد في الأعمال .
وروى ابن قتيبة أن أميرا قد حاصر حصنا ( قلعة) وكان في ذلك الحصن نقب ( اى ثقب في سور القلعة ) فدعا الناس إلى الدخول فيه ليفتحوا الأبواب من الداخل فدخله رجل من عامة الجيش غير معروف وفتح الله عليهم الحصن ، فنادى أمير الجيش : أين صاحب النقب ؟ فما حضر احد فعزم عليه إلا حضر ، وقد أعطى الإذن لحراسه أن يدخل عليه . فلما دخل عليه سأله الأمير: أأنت صاحب النقب ؟ فقال الرجل : إن صاحب النقب يشترط عليكم ثلاثا : ألا تكتبوا اسمه في صحيفة إلى الخليفة ، ولا تأمروا له بهدية أو شيء ، ولا تسألوا عن اسمه أو قبيلته .
فقال الأمير : فله ذلك ، فقال الرجل: أنا صاحب النقب ، وانصرف . فكان أمير الجيش بعد هذه الحادثة لا يصلى صلاة إلا قال في أخرها : اللهم اجعلني مع صاحب النقب !!
[b]